اليمن..بين مطرقة الحرب الاهلية وسندان الانفصال

حالة حرب غير معلنة

لاشك أن الوحدة اليمنية كانت ولازالت رافدا من روافد الأمة التي‮ ‬ساهمت في‮ ‬تأكيد حقيقة الشعب الواحد في‮ ‬البلد الواحد والمصير الواحد للأمة الواحدة،‮ ‬ولاشك أن الوحدة اليمنية جاءت تحقيقا لأحلام وتطلعات الشعب اليمني‮ ‬الذي‮ ‬هو جزء من الأمة العربية‮ ‬،جزء عزيز وغالي‮ ‬من تطلعات وأماني‮ ‬الشعوب العربية قاطبة نحو الهدف الاستراتيجي‮ ‬المنشود‮ . ‬لقد استطاع الشعب اليمني‮ ‬البطل أن‮ ‬يحقق الوحدة بفضل إيمانه بحتمية التلاقي‮ ‬وبفضل عزيمته التي‮ ‬أبت إلا أن تحقق الوحدة العظيمة‮ ‬،إلا أن الأحداث المؤسفة في‮ ‬اليمن وما صاحبها من قتلى وجرحى جعلت الأمة كلها تضع‮ ‬يدها على قلبها خوفا على مصير الوحدة بين أبناء هذا الجزء من الأمة الكبيرة‮ ‬،

‮ ‬فالأخبار التي‮ ‬تناقلتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية من فضائيات ووكالات أنباء بخصوص هذه الأحداث الدامية كانت أخبارا مروعة ومقلقة ومحزنة بعد أن أخذت بعداً‮ ‬لافتاً‮ ‬منذ اليوم الاول لاندلاعها في‮ ‬السابع والعشرين من شهر الطير الماضي‮ ‬،‮ ‬ليس فقط بعد سقوط عدد من القتلى وعشرات الجرحى وحديث عن تدمير واسع في‮ ‬المباني‮ ‬والممتلكات،‮ ‬وأخبارا عن‮ ‬ً‮ ‬هجمات طالت أفراد جيش الوحدة اليمني‮ ‬من قبل مجموعات متمردة وصفت رسمياً‮ ‬بالإرهابية،‮ ‬وإنما أيضا إثر تصاعد دعوات‮ ‬''انفصالية'' تدعو إلى عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثاني‮ ‬والعشرين من‮ ‬الصيف‮ ‬1990 مسيحي،‮ ‬وهو اليوم الذي‮ ‬شهد التوقيع على اتفاقية الوحدة بين شطري‮ ‬اليمن شماله وجنوبه واقتسام السلطة بين الحزبين الحاكمين في‮ ‬ذلك الوقت‮ ‬المؤتمر‮ (‬شمالاً‮) ‬والاشتراكي‮ (‬جنوبا‮).. ‬لكن الأمور كالعادة في‮ ‬بلاد العرب سرعان ما تلبدت الغيوم ووجد الحاقدين من‮ ‬يسمع لهم ويقبل نصائحهم ولم‮ ‬يدركوا أن السم قد دس في‮ ‬الدسم‮ ‬فلم تسر الأمور وفق ما‮ ‬يأمله الشعب اليمني‮ ‬صانع الوحدة‮ ‬بعد أن تعمقت الخلافات واشتعلت الأحقاد وتنوعت الدسائس،‮ ‬وباتت الشكوك وانعدام الثقة أعمق من أن‮ ‬يتم الجسر عليها أو تجاوزها،‮ ‬فكانت حرب صيف العام‮ ‬1994 مسيحي‮ ‬أو ما أطلق عليها حينها بحرب تثبيت الوحدة والتي‮ ‬''جيّرها'' الحسم العسكري‮ ‬لصالح رافعي‮ ‬شعار الوحدة التي‮ ‬شاءت الأقدار أن تكون‮ ‬غالبيتهم من الجبهة الشمالية‮ ‬،‮ ‬فيما لحقت الهزيمة بالطرف الآخر فترك الكثير منهم البلاد‮ ‬،‮

‬وقد‮ ‬توزعوا على المنافي‮ ‬وغابوا عن المشهد السياسي‮ ‬اليمني‮ ‬وقد بذلت جهود حثيثة من قبل العرب الغيورين الحريصين على مصلحة الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬سبيل رأب الصدع الذي‮ ‬حصل فحاولوا المصالحة بين الأخوة المتنازعين خاصة أنهم جميعا عربا وحدويون مخلصون لوطنهم وأمتهم وأن ما حدث ماهي‮ ‬إلامحاولات رخيصة من قبل العدو للفتنة والتشكيك بين أبناء البلد الواحد‮ ‬،إلا أن محاولات المصالحة التي‮ ‬بذلت لم تنجح إلا جزئياً‮ ‬تمثلت في‮ ‬عودة بعض الشخصيات ورفض‮ ‬غيرها وخفوت صوت الذين دعوا الى إحياء المعارضة العسكرية،‮ ‬بمعنى تشكيل تنظيمات عسكرية تنهض بمهمة‮ ‬''استعادة'' الجنوب من أيدي‮ ‬من قيل أنهم من الشمال،‮ ‬وسط اتهامات متواصلة بوجود تمييز في‮ ‬المعاملة والوظائف والتنمية والافراط في‮ ‬استخدام العنف ضد اهالي‮ ‬الجنوب،‮ ‬حتى ظهر هناك من‮ ‬يقول أن عقدين على الوحدة وخمسة عشر عاماً‮ ‬على الحسم العسكري‮ ‬لم تنجح في‮ ‬إخفاء الفوارق الواضحة بين الشمال والجنوب،‮ ‬وفي‮ ‬التستر على احتكار الشمال للثروة والنفوذ والسلطة والقرار،‮ ‬فيما‮ ‬يتم إهمال الجنوب وتركه‮ ‬''نهباً'' للتيارات‮. ‬اللافت في‮ ‬هذه‮ ‬الاحداث الدامية التي‮ ‬يتعرض لها اليمن الواحد وبالرغم من الأخبار الصحفية عن وساطات عربية مخلصة لها نصيب مهم من النجاح كما تقول تلك‮ ‬التسريبات الصحفية،‮ ‬هو دخول بعض الأطراف الأجنبية المتمثلة في‮ ‬بعض السفارات الأجنبية في‮ ‬صنعاء على الخط وإصدارها بياناًت لا‮ ‬يستطيع المراقب حيالها أن‮ ‬يقف على الحياد،‮ ‬وبخاصة انها تنطوي‮ ‬على رسائل عديدة للسلطة اليمنية كما للمعارضة وهو ما‮ ‬يجب التفطن له وإيقافه.

المعادلة الحقيقية هي‮ ‬التي‮ ‬تقول إذا كان جدارك صلبا فلا تخشى تدخلات الحاقدين المتصيدين فالصلابة والأصرار كفيلان بتحطيم كل المؤامرات التي‮ ‬تحاك ضد الوحدة وأهلها فلم‮ ‬يكتف العدو أن قام بتحطيم العراق واحتلاله وتقطيع أوصاله حتى صار أسير منافسات طائفية عرقية وكل حزب بما لديهم فرحون فها هي‮ ‬الأيادي‮ ‬تمتد نحو بلد عربي‮ ‬لازال‮ ‬يحبو في‮ ‬طريق البناء والتعمير ليتم زعزعة استقراره ووحدته إلا أن السؤال الذي‮ ‬يدور دائما بالأذهان ولانجد له جوابا مقنعاً‮ ‬طوال العقدين الاخيرين اللذين مرّا على الوحدة اليمنية،‮

‬رغم كل ما‮ ‬يكتب من كلام جميل وقصائد ومقالات ومهرجانات وجلسات بحث وحوار وندوات بخصوص الوحدة وشجونها‮..‬لماذا تعود مسألة الانفصال الى الواجهة عند كل أزمة صغيرة كانت أم كبيرة في‮ ‬اليمن؟،‮ ‬ولماذا تندلع كل هذه الغرائز وترتفع كل هذه المطالبات وتتصاعد كل هذه الشعارات،‮ ‬التي‮ ‬تعكس‮ (‬في‮ ‬جملة ما تعكسه‮) ‬حال الاحتقان وعدم الرضى والرفض المبطن للوحدة أو لمساراتها طوال السنوات الماضية؟‮.‬ إن‮ ‬''حالة الحرب‮ ‬غير المعلنة''التي‮ ‬يعيشها اليمن الموحد كما وصفها الحزب الاشتراكي‮ ‬المعارض،‮ ‬كان من المفترض أن لا تكون،‮ ‬بل من الحكمة ان تغتنم الاطراف كافة الفرصة الراهنة التي‮ ‬أتاحتها الأحداث الدموية في‮ ‬مناطق ردفان وزنجبار والمكلا،‮ ‬لاعادة قراءة‮ ‬''الملف'' كاملاً‮ ‬بشفافية وانفتاح وصراحة على قاعدة صيانة الوحدة والارتقاء بصيغتها بعيداً‮ ‬عن احتكار الوطنية أو الحكمة أو الحقيقة لأن ما‮ ‬يجري‮ ‬بين الفينة والأخرى‮ ‬يؤكد أن الأخطاء تتراكم وإن الإصلاح‮ ‬يراوح مكانه ليس فقط في‮ ‬اليمن كذلك في‮ ‬باقي‮ ‬البلاد العربية‮ ‬،‮ ‬فالعرب منشغلون عن ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬اليمن في‮ ‬وقت تنذر شرارة الأحداث هناك بالعودة إلى أيام ما قبل الوحدة‮ ‬،‮ ‬أي‮ ‬إلى زمن الانفصال والتشرذم وكأنه مكتوب على هذه الأمة أن تبقى على الدوام أسيرة الفرقة والتباعد‮ ‬،

فالبلاد العربية لاشك ستثأثر في‮ ‬حالة تفكك اليمن وانقسامه وسيكون ذلك في‮ ‬صالح العدو الصهيوني‮ ‬ولصالح معركته التي‮ ‬يخوضها ضد الأمة العربية‮ ‬،‮ ‬ومن هذا المنطلق على العرب ألا‮ ‬يكتفوا بمجرد الوساطات الحميدة السرية بل‮ ‬يجب معالجة المشاكل علانية وبصورة جدية وحاسمة بحيث‮ ‬يتم إفهام الجميع أن حل مشاكلهم مهما كانت لن تكون على حساب الوحدة باعتبارها أصبحت حقيقة واقعة وإن كل من‮ ‬يسعى للانفصال لن‮ ‬يتم الاعتراف به أو التواصل معه وبالتالي‮ ‬على الجميع حل ما بينهم داخل إطار اليمن الواحد الموحد واستغلال كافة الإمكانيات العربية بهذا الخصوص حتى‮ ‬يعود اليمن كما عهدناه سعيدا بأهله سعيدا بأمته‮. ‬ وعليه فإن دور الجامعة العربية في‮ ‬هذا المضمار‮ ‬يجب أن‮ ‬يرتقي‮ ‬إلى مستوى الأحداث الأليمة التي‮ ‬يشهدها اليمن وعلى هذه المؤسسة العربية أن تكثف من جهودها وعملها للحيلولة دون تفاقم الأوضاع في‮ ‬اليمن حتى لا تجد الجامعة العربية في‮ ‬نهاية المطاف أمام خيارين لا ثالث لهما إما‮ ‬غياب اليمن عن الجامعة بوصفه بلدا موحدا وإما القبول ب‮ "‬يمنين‮" ‬شمالي‮ ‬وجنوبي‮ ‬فهل تتنبه الجامعة وأمينها العام إلى خطورة الموقف وتبعد عن اليمنيين شبـح الانفـصــال ؟‮ ‬